حين يطفح الكيل
حسين
الصدر
- 1
-
لو كانت
الأمور تجري وَفْقَ مقتضيات الحقّ والعدل والعقل ، لما ابتُليت المجتمعات – قديما وحديثا
– بما ابتليت به ، من مفارقات واهتزازات واضطرابات، ولما كان هناك أي لون من ألوان
التخلف والتقهقر والاضطراب ...
- 2
-
غير
ان الامور لا تجري على ذلك النسق المطلوب فكثيرا ما يتقدم (المفضول) على (الفاضل) ،
و(الدخيل)
على (الأصيل)
و(الغبيّ)
على (الذكيّ)
و(المسيء)
على (المحسن)
و(الكاذب)
على (الصادق)
و(اللعوب)
على (المستقيم)
. . . . . . .
ومن
هنا تستعر جمار الحزن في قلوب المهمشين المُضَيعِين المُبدعِين مع ما يجدونه في أنفسهم من الاخلاص واللياقة والكفاءة والقدرة على
النهوض بالمسؤولية .
- 3 -
ومن
الصعب أنْ تُرضي اولئك المظلومين عما حقّ بهم من ضياع وتضييع ..،
مهما
امتلكتَ من الحجج والبراهين .
- 4
-
وفورة
الغضب عند الشعراء – منهم خاصة – تدفعهم الى التنفيس عنها بالقوافي الساخنة ، وهي تحمل
في طياتها العجب العجاب ...
انّها
من أمتع ما حفلت به كتب الأدب والتراجم ، ولعلّ تلك النفثات المقفاة تصبح سلوةً لنظرائهم
من الموهوبين المظلومين .
- 5
-
ومن
ذلك قول عبد الرحيم ابن الأخوة المتوفى سنة 548 هجرية:
الدهرُ
كالميزان يرفع ناقصاً
أبداً
ويخفض زائدَ المقدار
واذا
انتحى الانصاف عادل عَدْلُهُ
في الوزنِ
بين حديدةٍ ونُضارِ
وهنا
نلاحظ :
1 –
الشكوى من (الدهر) والتذمر منه، وتشبيهه (بالميزان) الذي يرفع (الناقص) ويخفض(الزائد)
..!!
والذي
دعاه الى هذا التشبيه هو ارتفاع مَنْ هو دُونَه عليه ..!!
وبهذا
نفسّ عن السخط المكبوت في نفسه ..!!
والخلل
هنا واضح بيّن، فليس تقدّم (الناقص) على (الزائد) حالةً ثابته لا تنخرم ، وانما هي
اختراق للاصول والمواضعات في بعض الأحايين ..!!
2– واذا
كان وزن كمية الحديد المعادِلة للذهب واحداً فهذا لا يعني أنهما متساويان في القمة
والأهمية ...
وهنا
تكمن المغالطة .
وبالتالي
فان الشاعر لم يكن موفقا في ما قاله ...
وتعال
معي لتقرأ ما قاله شاعر آخر في هذا السياق :
قالوا
: ترى نفراً عند الملوك سَمَوْا
وما
لهم همّةٌ تسمو ولا وَرَعُ
وأنت
ذو همّه في الفضلِ عاليةٍ
فَلِمْ
ظمئتَ وهم في الجاهِ قد كرعوا ؟
فقلتُ
: باعوا نفوساً واشتروا ثمناً
وصنتُ
نفسي فلم أخضع كما خضعوا
قد يكرمُ
القرد اعجابا بِخِستِهِ
وقد
يُهانُ لفرط النخوةِ السَبُعُ
ان نبرة
الشاعر هنا عالية، وهي قد وصلت حدّ اعتباره المتقدمين عليهم كالقرود ، في حين أنه
– وهو الأسد الهصور – قد تمّت اهانته ..!!
إنّ
الملوك قربوّا مَنْ لم تُعل بهم الهِمَم ...
ولم
يكن عندهم شيء من الورع .
وهم
قد باعوا أنفسهم للسلاطين، بينما صان الشاعر نفسه عن الخضوع لأوامرهم ونواهيهم ..
وكل
تلك الكلمات صادرةٌ عن انفعال واضح وقد لا تكون صحيحة بالكامل ...
واذا
صحّ استحواذ البعض على اهتمام السلطويين وعنايتهم ،
فليس
معنى ذلك أنّ كلّ من حظي عندهم بالجاه ، هو من ذوي الهمم الفاترة والنظرة القاصرة
.
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي "كلمة"
التعليقات على الموضوع